ويسألونك عن الروح
--------------------------------------------------------------------------------
عن ابن عباس رضى الله عنهماأن قريشابعثت النضر بن الحارث وعقبة بن أبى معيط
الى أحبار يهود بالمدينة وقالوا لهم سلوهم محمدا فانهم أهل كتاب عندهم من
العلم ما ليس عندنا فخرجاحتى قدما المدينة فسألوهم فقالوا سلوه عن أصحاب الكهف وعن ذى القرنين ، وعن الروح فان أجاب عنها أو سكت فليس بنبى ، وان أجاب عن بعض وسكت عن بعض فهو نبى، فجاءوا وسألوه، فبين لهم النبى صلى الله عليه وسلم القضيتين،وأبهم أمر الروح، وهو مبهم فى التوراة،قال الله تعالى :
"ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربى وما أوتيتم من العلم الا قليلا " .
وهذا ترك للبيان ، ونهى لهم عن السؤال ، عن عطاء بن يسار قال : نزلت هذه
الآية بمكة فلما هاجرصلى الله عليه وسلم الى المدينةأتاه أحبار يهود فقالوا يامحمدألم يبلغناعنك أنك تقول:"وماأوتيتم من العلم الا قليلا "أفعنيتنا أم قومك ؟ فقال كلا قد عنيت، قالوا:فانك تتلو أنا آوتيناالتوراة وفيها تبيان كل شئ ، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم هى فى علم الله تعالى قليل وقد آتاكم الله ماان عملتم به انتفعتم فأنزل الله تعالى"ولوأن مافىالأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفذت كلمات الله " .
وقداختلف الناس فى الروح والنفس هل هما شئ واحد أو شيئان وذهب الصوفيةالى
أن النفس هى الأصل فى الانسان فاذا صقلت بالرياضة وأنواع الذكر والفكر صارت
روحا،ثم قد تترقى الىأن تصير سرا من أسرارالله تعالى ، وذلك لأن النفس مراتب
تترقى فيها :
الأولى : تهذيب الظاهرباستعمال النواميس الالهيةمن القيام والصيام وغيرهما.
الثانية : تهذيب الباطن عن الملكات الردية والأخلاق الدنية .
الثالثة : تحلى النفس بالصور القدسية .
الرابعة : فناؤها عن ذاتهاوملاحظتها جلال رب العالمين جل جلاله فاذا ماأقبل
المؤمن على الله فعليه أن يزهد عن كل ما يعوقه عن مقصوده ويصده عن معبوده
فيتصف بالورع والتقوى والزهدالحقيقىثم يحاسب نفسه دائمافىأقواله وأفعاله
، ويتهمها فى كل ما تأمر به ، فانها مجبولة على حب الشهوات ومطبوعة على
الدسائس الخفيات، فلا ينبغى أن يأمنها ، يحكى عن بعض الصالحين أن نفسه لم تزل تأمره بالجهادوتحثه عليه فأستغرب ذلك ثم فطن الىأنها تريد أن تستريح من نصب القيام والصيام بالموت ، فلم يجبها الى ذلك .
واختلف الناس فى الروح هل تموت أو لا تموت،فذهبت طائفة الى أنها تموت لأنها
نفس ، وكل نفس ذائقة الموت ، وقالت طائفة أنها لا تموت للأحاديث الدالة على
نعيمها وعذابها .
والصواب أن يقال : موت الروح هو مفارقتهاالجسد، فان أريد الموت هذا القدر
فهى ذائقةالموت،وان أريدأنهاتعدم وتضمحل فهىلا تموت،وهى مستثناه ممن يصعق عند النفخ فى الصور .
ومستقر الأرواح بعد مفارقتهاالبدن نختلف فمستقر أرواح الأنبياء عليهم السلام
فى أعلى عليين .
وصح أن آخر كلمة تكلم بها النبى صلى الله عليه وسلم : اللهم الرفيق الأعلى .
ومستقر أرواح الشهداء فى الجنة ترد أنهارها وتأكل من ثمارها ، وتأوى الى
قناديل معلقة بالعرش .
ومستقر أرواح المؤمنين قيل فى الجنة أيضا ، وهو قول الامام الشافعى ، وقيل
تكون على شكل طائر يحلق فى الجنةحتى يبعث صاحبها وقيل:مثل أرواح الشهداء ، وقيل تكون فى دار يقال لها البيضاء فى السماء السابعة .
وأما مستقر أرواح الكافرين ففى سجين والعياذ بالله .